كلامه مع أهل القبور
وقال عليه السلام ، وقد رجع من صفين ، فأشرف على القبور بظاهر الكوفة فقال :
يا أهل القبور يا أهل التربة ، يا أهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة ، أما الدور فقد سكنت ، وأما الازواج فقد نكحت ، وأما الاموال فقد قسمت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لاخبروكم : أن خير الزاد التقوى (1) .
* وقال عليه السلام : إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن إتعظ بها ، مسجد أحباء الله ، و مصلى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ، إكتسوا فيها الرحمة ، و ربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت لهم ببلائها ، وشوقتهم بسرورها إلى السرور ، وراحت بعافية ، و ابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا وتخويفا وتحذيرا ، فذمها رجال غداة الندامة ، و حمدها آخرون يوم القيامة ، ذكرتهم الدنيا فذكروا وحذرتهم فصدقوا ، ووعظتهم فاتعظوا .
فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها ، بم تذمها ؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ متى استهوتك ؟ أم متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بكفيك ؟ وكم مرضت بيديك ؟ تبغى لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الاطباء ، لم ينفع أحدهم إشفاقك ، ولم تسعف فيه بطلبتك ، قد مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك (2) .
وقال عليه السلام : المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما لاقوام (3) .
____________
1 ـ ابن ميثم الكبير 5 | 312 . ابن ابي الحديد 18 | 322 .
2 ـ إبن أبي الحديد 18 | 235 . ابن ميثم 5 | 313 .
3 ـ شرح ابن ميثم 2 | 3 . شرح ابن ابي الحديد 1 | 312 .